فصل: فَصْلٌ: شَرَائِطُ الرُّكْنِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (نسخة منقحة)



.فَصْلٌ: الْأَلْفَاظُ الَّتِي يَقَعُ بِهَا طَلَاقُ الْبِدْعَةِ:

وَأَمَّا الْأَلْفَاظُ الَّتِي يَقَعُ بِهَا طَلَاقُ الْبِدْعَةِ فَنَحْوُ أَنْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ، أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقَ الْبِدْعَةِ، أَوْ طَلَاقَ الْجَوْرِ أَوْ طَلَاقَ الْمَعْصِيَةِ أَوْ طَلَاقَ الشَّيْطَانِ فَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا، فَهُوَ ثَلَاثٌ لِأَنَّ إيقَاعَ الثَّلَاثِ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ لَا جِمَاعَ فِيهِ وَالْوَاحِدَةِ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ بِدْعَةٌ، وَالطَّلَاقُ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ بِدْعَةٌ فَإِذَا نَوَى بِهِ الثَّلَاثَ فَقَدْ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ فَصَحَّتْ وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهَا وَاحِدَةٌ يَمْلِكُ بِهَا الرَّجْعَةَ لِأَنَّ الْبِدْعَةَ لَمْ يُجْعَلْ لَهَا وَقْتٌ فِي الشُّرُوعِ لِتَنْصَرِفَ الْإِضَافَةُ إلَيْهِ فَيَلْغُو قَوْلُهُ لِلْبِدْعَةِ وَيَبْقَى قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ فَيَقَعُ بِهِ تَطْلِيقَةٌ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقَ الْجَوْرِ أَوْ طَلَاقَ الْمَعْصِيَةِ أَوْ طَلَاقَ الشَّيْطَانِ وَنَوَى الثَّلَاثَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَإِنْ كَانَ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ أَوْ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ وَقَعَ مِنْ سَاعَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَا يَقَعْ لِلْحَالِ مَا لَمْ تَحِضْ أَوْ يُجَامِعْهَا فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ.

.فَصْلٌ: حُكْمُ طَلَاقِ الْبِدْعَةِ:

وَأَمَّا حُكْمُ طَلَاقِ الْبِدْعَةِ فَهُوَ أَنَّهُ وَاقِعٌ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ.
وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إنَّهُ لَا يَقَعُ وَهُوَ مَذْهَبُ الشِّيعَةِ أَيْضًا (وَجْهُ) قَوْلِهِمْ أَنَّ هَذَا الطَّلَاقَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الدَّلَائِلِ فَلَا يَكُونُ مَشْرُوعًا وَغَيْرُ الْمَشْرُوعِ لَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا فِي حَقِّ الْحُكْمِ؛ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لَنَا وِلَايَةَ الْإِيقَاعِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ؛ وَمَنْ جُعِلَ لَهُ وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَمْلِكُ إيقَاعَهُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ الْوَجْهِ كَالْوَكِيلِ بِالطَّلَاقِ عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ إذَا طَلَّقَهَا لِلْبِدْعَةِ أَنَّهُ لَا يَقَعُ لِمَا قُلْنَا كَذَا هَذَا.
(وَلَنَا) مَا رُوِيَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ بَعْضَ آبَائِهِ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْفًا فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَانَتْ بِالثَّلَاثِ فِي مَعْصِيَةٍ وَتِسْعُمِائَةٍ وَسَبْعَةٌ وَتِسْعُونَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ».
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ إنَّ أَحَدَكُمْ يَرْكَبُ الْأُحْمُوقَةَ فَيُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ أَلْفَا ثُمَّ يَأْتِي فَيَقُولُ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} وَإِنَّك لَمْ تَتَّقِ اللَّهَ فَلَا أَجِدُ لَك مَخْرَجًا بَانَتْ امْرَأَتُك وَعَصَيْتَ رَبَّك وَرَوَيْنَا عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ لَا يُؤْتَى بِرَجُلٍ قَدْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا إلَّا أَوْجَعَهُ ضَرْبًا وَأَجَازَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَكَانَتْ قَضَايَاهُ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ فَيَكُونُ إجْمَاعًا مِنْهُمْ عَلَى ذَلِكَ.
(وَأَمَّا) قَوْلُهُمْ: إنَّ غَيْرَ الْمَشْرُوعِ لَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا فِي حَقِّ الْحُكْمِ فَنَعَمْ لَكِنَّ الطَّلَاقَ نَفْسَهُ مَشْرُوعٌ عِنْدَنَا مَا فِيهِ حَظْرٌ، وَإِنَّمَا الْحَظْرُ وَالْحُرْمَةُ فِي غَيْرِهِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْفَسَادِ وَالْوُقُوعِ فِي الزِّنَا وَالسَّفَهِ وَتَطْوِيلِ الْعِدَّةِ، وَإِذَا كَانَ مَشْرُوعًا فِي نَفْسِهِ جَازَ أَنْ يَكُونَ مُعْتَبَرًا فِي حَقِّ الْحُكْمِ وَإِنْ مُنِعَ عَنْهُ لِغَيْرِهِ كَالْبَيْعِ وَقْتَ أَذَانِ الْجُمُعَةِ وَالصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَقَدْ خَرَجَ الْجَوَابُ عَنْ الْوَجْهِ الثَّانِي وَهُوَ أَنَّ مَنْ وَلِيَ تَصَرُّفًا مَشْرُوعًا لَا يَمْلِكُ إيقَاعَهُ إلَّا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي وَلِيَ لِأَنَّهُ مَا أَوْقَعَ الطَّلَاقَ إلَّا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي وَلِيَ إيقَاعَهُ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ مَشْرُوعٌ فِي نَفْسِهِ لَا يُتَصَوَّرُ إيقَاعُهُ غَيْرَ مَشْرُوعٍ إلَّا أَنَّهُ بِهَذَا الطَّلَاقِ بَاشَرَ تَصَرُّفًا مَشْرُوعًا وَارْتَكَبَ مَحْظُورًا فَيَأْثَمُ بِارْتِكَابِ الْمَحْظُورِ لَا بِمُبَاشَرَةِ الْمَشْرُوعِ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ وَنَظَائِرِهِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالطَّلَاقِ عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ تَوْكِيلٌ بِطَلَاقٍ مَشْرُوعٍ لَا يَتَضَمَّنُهُ ارْتِكَابُ حَرَامٍ بِوَجْهٍ، فَإِذَا طَلَّقَهَا لِلْبِدْعَةِ فَقَدْ أَتَى بِطَلَاقٍ مَشْرُوعٍ يُلَازِمُهُ حَرَامٌ فَلَمْ يَأْتِ بِمَا أُمِرَ بِهِ فَلَا يَقَعُ فَهُوَ الْفَرْقُ.

.فَصْلٌ: بَيَانُ قَدْرِ الطَّلَاقِ وَعَدَدِهِ:

وَأَمَّا بَيَانُ قَدْرِ الطَّلَاقِ وَعَدَدِهِ فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ الزَّوْجَانِ إمَّا إنْ كَانَا حُرَّيْنِ وَإِمَّا إنْ كَانَا رَقِيقَيْنِ وَإِمَّا إنْ كَانَ أَحَدُهُمَا حُرًّا وَالْآخَرُ رَقِيقًا فَإِنْ كَانَا حُرَّيْنِ، فَالْحُرُّ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ الْحُرَّةَ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَا رَقِيقَيْنِ فَالْعَبْدُ لَا يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ الْأَمَةَ إلَّا تَطْلِيقَتَيْنِ بِلَا خِلَافٍ أَيْضًا، وَاخْتُلِفَ فِيمَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا حُرًّا وَالْآخَرُ رَقِيقًا أَنَّ عَدَدَ الطَّلَاقِ يُعْتَبَرُ بِحَالِ الرَّجُلِ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ أَمْ بِحَالِ الْمَرْأَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى: يُعْتَبَرُ بِحَالِ الْمَرْأَةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُعْتَبَرُ بِحَالِ الرَّجُلِ حَتَّى إنَّ الْعَبْدَ إذَا كَانَتْ تَحْتَهُ حُرَّةٌ يَمْلِكُ عَلَيْهَا ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ لَا يَمْلِكُ عَلَيْهَا إلَّا تَطْلِيقَتَيْنِ.
وَالْحُرُّ إذَا كَانَتْ تَحْتَهُ أَمَةٌ لَا يَمْلِكُ عَلَيْهَا إلَّا تَطْلِيقَتَيْنِ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ يَمْلِكُ عَلَيْهَا ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ، وَالْمَسْأَلَةُ مُخْتَلِفَةٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مِثْلُ قَوْلِنَا وَعَنْ عُثْمَانَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ مِثْلُ قَوْلِهِ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ يُعْتَبَرُ بِحَالِ أَيِّهِمَا كَانَ رَقِيقًا وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْعِدَّةَ تُعْتَبَرُ بِحَالِ الْمَرْأَةِ احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «الطَّلَاقُ بِالرِّجَالِ وَالْعِدَّةُ بِالنِّسَاءِ» وَالْمُرَادُ مِنْهُ اعْتِبَارُ الطَّلَاقِ فِي الْقَدْرِ وَالْعَدَدِ لَا الْإِيقَاعُ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُشْكِلُ وَرُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «يُطَلِّقُ الْعَبْدُ ثِنْتَيْنِ وَتَعْتَدُّ الْأَمَةُ بِحَيْضَتَيْنِ» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ مَا إذَا كَانَتْ تَحْتَهُ أَمَةٌ أَوْ حُرَّةٌ.
وَلِأَنَّ الرِّقَّ إنَّمَا يُؤَثِّرُ فِي نُقْصَانِ الْحِلِّ لِكَوْنِ الْحِلِّ نِعْمَةً وَأَنَّهُ نِعْمَةٌ فِي جَانِبِ الرَّجُلِ لَا فِي جَانِبِ الْمَرْأَةِ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ مَرْقُوقَةٌ فَلَا يُؤَثِّرُ رِقُّهَا فِي نُقْصَانِ الْحِلِّ.
(وَلَنَا) الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْمَعْقُولُ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} إلَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} وَالنَّصُّ وَرَدَ فِي الْحُرَّةِ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ حِلَّ الْحُرَّةِ يَزُولُ بِالثَّلَاثِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ مَا إذَا كَانَتْ تَحْتَ حُرٍّ أَوْ تَحْتَ عَبْدٍ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِإِطْلَاقِهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِي الْحُرَّةِ قَرَائِنُ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَحَدُهَا أَنَّهُ قَالَ تَعَالَى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} وَالْأَمَةُ لَا تَمْلِكُ الِافْتِدَاءَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى، وَالثَّانِي قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} وَالْأَمَةُ لَا تَمْلِكُ إنْكَاحَ نَفْسِهَا مِنْ غَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهَا وَالثَّالِثُ قَوْله تَعَالَى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا} أَيْ يَتَنَاكَحَا بَعْدَ طَلَاقِ الزَّوْجِ الثَّانِي وَذَا فِي الْحُرِّ وَالْحُرَّةِ وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «طَلَاقُ الْأَمَةِ ثِنْتَانِ وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ» جَعَلَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ طَلَاقَ جِنْسِ الْإِمَاءِ ثِنْتَيْنِ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ لَامَ الْجِنْسِ عَلَى الْإِمَاءِ كَأَنَّهُ قَالَ: طَلَاقُ كُلِّ أَمَةٍ ثِنْتَانِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ زَوْجُهَا حُرًّا أَوْ عَبْدًا وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَمِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْأَصْلَ فِي الطَّلَاقِ هُوَ الْحَظْرُ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الدَّلَائِلِ فِيمَا تَقَدَّمَ إلَّا أَنَّهُ أُبِيحَتْ الطَّلْقَةُ الْوَاحِدَةُ لِلْحَاجَةِ إلَى الْخَلَاصِ عِنْدَ مُخَالَفَةِ الْأَخْلَاقِ لِأَنَّ عِنْدَ ذَلِكَ تَصِيرُ الْمَصْلَحَةُ فِي الطَّلَاقِ لِيَزْدَوِجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَنْ يُوَافِقُهُ فَتَحْصُلُ مَقَاصِدُ النِّكَاحِ إلَّا أَنَّ احْتِمَال النَّدَمِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ قَائِمٌ بَعْدَ الطَّلَاقِ كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} فَلَوْ ثَبَتَتْ الْحُرْمَةُ بِطَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَمْ يُشَرَّعْ طَلَاقٌ آخَرُ حَتَّى يَتَأَمَّلَ الزَّوْجُ فِيهِ رُبَّمَا يَنْدَمُ وَلَا يُمْكِنُهُ التَّدَارُكُ بِالرَّجْعَةِ وَلَا تُوَافِقُهُ الْمَرْأَةُ فِي النِّكَاحِ وَلَا يُمْكِنُهُ الصَّبْرُ عَنْهَا فَيَقَعُ فِي الزِّنَا فَأُبِيحَتْ الطَّلْقَةُ الثَّانِيَةُ لِهَذِهِ الْحَاجَةِ وَلَا حَاجَةَ إلَى الطَّلْقَةِ الثَّالِثَةِ إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِهَا فِي الْحُرَّةِ إذَا كَانَتْ تَحْتَ حُرٍّ وَعَبْدٍ إظْهَارًا لِخَطَرِ النِّكَاحِ وَإِبَانَةً لِشَرَفِهِ، وَمِلْكُ النِّكَاحِ فِي الْأَمَةِ فِي الشَّرَفِ وَالْخَطَرِ دُونَ مِلْكِ النِّكَاحِ فِي الْحُرَّةِ لِأَنَّ شَرَفَ النِّكَاحِ وَخَطَرَهُ لِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ الْمَقَاصِدِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ مِنْهَا الْوَلَدُ وَالسَّكَنُ وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَيْنِ الْمَقْصُودَيْنِ فِي نِكَاحِ الْأَمَةِ دُونَهُمَا فِي نِكَاحِ الْحُرَّةِ لِأَنَّ وَلَدَ الْحُرَّةِ حُرٌّ وَوَلَدَ الرَّقِيقَةِ رَقِيقٌ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْوَلَدِ الِاسْتِئْنَاسُ وَالِاسْتِنْصَارُ بِهِ فِي الدُّنْيَا وَالدَّعْوَةُ الصَّالِحَةُ فِي الْعُقْبَى وَهَذَا الْمَقْصُودُ لَا يَحْصُلُ مِنْ الْوَلَدِ الرَّقِيقِ مِثْلُ مَا يَحْصُلُ مِنْ الْحُرِّ لِكَوْنِ الْمَرْقُوقِ مَشْغُولًا بِخِدْمَةِ الْمَوْلَى وَكَذَا سُكُونُ نَفْسِ الزَّوْجِ إلَى امْرَأَتِهِ الْأَمَةِ لَا يَكُونُ مِثْلَ سُكُونِهِ إلَى امْرَأَتِهِ الْحُرَّةِ فَلَمْ يَكُنْ هَذَا فِي مَعْنَى مَوْرِدِ الشَّرْعِ فَبَقِيَتْ الطَّلْقَةُ فِيهِ عَلَى أَصْلِ الْحَظْرِ وَالثَّانِي أَنَّ حُكْمَ الطَّلَاقِ زَوَالُ الْحِلِّ وَهُوَ حِلُّ الْمَحَلِّيَّةِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الْحِلِّ وَحِلُّ الْأَمَةِ أَنْقَصُ مِنْ حِلِّ الْحُرَّةِ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ يُنْقِصُ الْحِلَّ؛ لِأَنَّ الْحِلَّ نِعْمَةٌ لِكَوْنِهِ وَسِيلَةً إلَى النَّعْمَةِ؛ وَهِيَ مَقَاصِدُ النِّكَاحِ وَالْوَسِيلَةُ إلَى النَّعْمَةِ نِعْمَةٌ، وَلِلرِّقِّ أَثَرٌ فِي نُقْصَانِ النِّعْمَةِ وَلِهَذَا أَثَرٌ فِي نُقْصَانِ الْمَالِكِيَّةِ حَتَّى يَمْلِكَ الْحُرُّ التَّزَوُّجَ بِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ وَالْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ التَّزَوُّجَ إلَّا بِامْرَأَتَيْنِ وَأَمَّا الْحَدِيثَانِ فَقَدْ قِيلَ: إنَّهُمَا غَرِيبَانِ ثُمَّ إنَّهُمَا مِنْ الْآحَادِ وَلَا يَجُوزُ تَقْيِيدُ مُطْلَقِ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَلَا مُعَارَضَةُ الْخَبَرِ الْمَشْهُورِ بِهِ ثُمَّ نَقُولُ: لَا حُجَّةَ فِيهِمَا أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ قَوْلَهُ «الطَّلَاقُ بِالرِّجَالِ» إلْصَاقُ الِاسْمِ بِالِاسْمِ فَيَقْتَضِي مُلْصَقًا مَحْذُوفًا، وَالْمُلْصَقُ الْمَحْذُوفُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْإِيقَاعُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الِاعْتِبَارُ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً مَعَ الِاحْتِمَالِ وَقَوْلُهُ: الْإِيقَاعُ لَا يُشْكِلُ مَمْنُوعٌ بَلْ قَدْ يُشْكِلُ وَبَيَانُ الْإِشْكَالِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ النِّكَاحَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فِي الِانْعِقَادِ وَالْأَصْلُ فِي كُلِّ عَقْدٍ- كَانَ انْعِقَادُهُ بِعَاقِدَيْنِ- أَنْ يَكُونَ ارْتِفَاعُهُ بِهِمَا أَيْضًا كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَنَحْوِهِمَا، وَالثَّانِي أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا فِي الْأَحْكَامِ وَالْمَقَاصِدِ فَيُشْكِلُ أَنْ يَكُونَ الْإِيقَاعُ بِهِمَا عَلَى الشَّرِكَةِ فَحَلَّ الْإِشْكَالَ بِقَوْلِهِ الطَّلَاقُ بِالرِّجَالِ وَأَمَّا الثَّانِي فَفِيهِ أَنَّ الْعَبْدَ يُطَلِّقُ ثِنْتَيْنِ وَهَذَا لَا يَنْفِي الثَّالِثَةَ كَمَا يُقَالُ فُلَانٌ يَمْلِكُ دِرْهَمَيْنِ، وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «طَلَاقُ الْأَمَةِ ثِنْتَانِ» إضَافَةُ الطَّلَاقِ إلَى الْأَمَةِ وَالْإِضَافَةُ لِلِاخْتِصَاصِ فَيَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ الْمُخْتَصُّ بِالْأَمَةِ ثِنْتَانِ وَلَوْ مَلَكَ الثَّالِثَةَ عَلَيْهَا لَبَطَلَ الِاخْتِصَاصُ، وَمِثَالُهُ قَوْلُ الْقَائِلِ مَالُ فُلَانٍ دِرْهَمَانِ أَنَّهُ يَنْفِي الزِّيَادَةَ لِمَا قُلْنَا كَذَا هَذَا وَقَدْ خَرَجَ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ إنَّ الْحِلَّ فِي جَانِبِهَا لَيْسَ بِنِعْمَةٍ لِأَنَّا بَيَّنَّا أَنَّهُ نِعْمَةٌ فِي حَقِّهَا أَيْضًا، لِكَوْنِهِ وَسِيلَةً إلَى النَّعْمَةِ وَالْمِلْكُ فِي بَابِ النِّكَاحِ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ بَلْ هُوَ وَسِيلَةٌ إلَى الْمَقَاصِدِ الَّتِي هِيَ نِعَمٌ، وَالْوَسِيلَةُ إلَى النَّعْمَةِ نِعْمَةٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

.فَصْلٌ: رُكْنِ الطَّلَاقِ:

وَأَمَّا بَيَانُ رُكْنِ الطَّلَاقِ فَرُكْنُ الطَّلَاقِ هُوَ اللَّفْظُ الَّذِي جُعِلَ دَلَالَةً عَلَى مَعْنَى الطَّلَاقِ لُغَةً وَهُوَ التَّخْلِيَةُ وَالْإِرْسَالُ وَرَفْعُ الْقَيْدِ فِي الصَّرِيحِ وَقَطْعُ الْوَصْلَةِ وَنَحْوُهُ فِي الْكِنَايَةِ أَوْ شَرْعًا، وَهُوَ إزَالَةُ حِلِّ الْمَحَلِّيَّةِ فِي النَّوْعَيْنِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَ اللَّفْظِ أَمَّا اللَّفْظُ فَمِثْلُ أَنْ يَقُولَ فِي الْكِنَايَةِ: أَنْتِ بَائِنٌ أَوْ أَبَنْتُكِ أَوْ يَقُولَ فِي الصَّرِيحِ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ طَلَّقْتُكِ وَمَا يَجْرِي هَذَا الْمَجْرَى إلَّا أَنَّ التَّطْلِيقَ وَالطَّلَاقَ فِي الْعُرْفِ يُسْتَعْمَلَانِ فِي الْمَرْأَةِ خَاصَّةً وَالْإِطْلَاقُ يُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِهَا يُقَالُ فِي الْمَرْأَةِ طَلَّقَ يُطَلِّقُ تَطْلِيقًا وَطَلَاقًا وَفِي الْبَعِيرِ وَالْأَسِيرِ وَنَحْوِهِمَا يُقَالُ أَطْلَقَ يُطْلِقُ إطْلَاقًا وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى فِي اللَّفْظَيْنِ لَا يَخْتَلِفُ فِي اللُّغَةِ وَمِثْلُ هَذَا جَائِزٌ كَمَا يُقَالُ حَصَانٌ وَحِصَانٌ وَعَدِيلٌ وَعَدْلٌ فَالْحَصَانُ بِفَتْحِ الْحَاءِ يُسْتَعْمَلُ فِي الْمَرْأَةِ وَبِالْخَفْضِ يُسْتَعْمَلُ فِي الْفَرَسِ وَإِنْ كَانَا يَدُلَّانِ عَلَى مَعْنَى وَاحِدٍ لُغَةً وَهُوَ الْمَنْعُ.
وَالْعَدِيلُ يُسْتَعْمَلُ فِي الْآدَمِيِّ وَالْعَدْلُ فِيمَا سِوَاهُ، وَإِنْ كَانَا مَوْجُودَيْنِ فِي الْمُعَادَلَةِ فِي اللُّغَةِ كَذَا هَذَا، وَلِهَذَا قَالُوا: إنَّ مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ مُطْلَقَةٌ مُخَفِّفًا يَرْجِعُ إلَى نِيَّتِهِ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ فِي الْعُرْفِ يُسْتَعْمَلُ فِي إثْبَاتِ الِانْطِلَاقِ عَنْ الْحَبْسِ وَالْقَيْدِ الْحَقِيقِيِّ، فَلَا يُحْمَلُ عَلَى الْقَيْدِ الْحُكْمِيِّ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَيَسْتَوِي فِي الرُّكْنِ ذِكْرُ التَّطْلِيقَةِ وَبَعْضِهَا حَتَّى لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ بَعْضَ تَطْلِيقَةٍ أَوْ رُبْعَ تَطْلِيقَةٍ أَوْ ثُلُثَ تَطْلِيقَةٍ أَوْ نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ أَوْ جُزْءًا مِنْ أَلْفِ جُزْءٍ مِنْ تَطْلِيقَةٍ يَقَعُ تَطْلِيقَةً كَامِلَةً وَهَذَا عَلَى قَوْلِ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ.
وَقَالَ رَبِيعَةُ الرَّأْيُ لَا يَقَعُ عَلَيْهَا شَيْءٌ لِأَنَّ نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ لَا يَكُونُ تَطْلِيقَةً حَقِيقَةً بَلْ هُوَ بَعْضُ تَطْلِيقَةٍ وَبَعْضُ الشَّيْءِ لَيْسَ عَيْنَ ذَلِكَ الشَّيْءِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهُ.
(وَلَنَا) أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَتَبَعَّضُ وَذِكْرُ الْبَعْضِ فِيمَا لَا يَتَبَعَّضُ ذِكْرٌ لِكُلِّهِ كَالْعَفْوِ عَنْ بَعْضِ الْقِصَاصِ أَنَّهُ يَكُونُ عَفْوًا عَنْ الْكُلِّ.
وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً وَاحِدَةً وَنِصْفَ أَوْ وَاحِدَةً وَثُلُثَ طَلُقَتْ اثْنَتَيْنِ لِأَنَّ الْبَعْضَ مِنْ تَطْلِيقَةٍ تَطْلِيقَةٌ كَامِلَةٌ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَنِصْفَهَا أَوْ ثُلُثَهَا أَنَّهُ لَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةٌ لِأَنَّ هُنَاكَ أَضَافَ النِّصْفَ إلَى الْوَاحِدَةِ الْوَاقِعَةِ وَالْوَاقِعُ لَا يُتَصَوَّرُ وُقُوعُهُ ثَانِيًا وَهُنَا ذَكَرَ نَصًّا مُنَكَّرًا غَيْرَ مُضَافٍ إلَى وَاقِعٍ فَيَكُونُ إيقَاعُ تَطْلِيقَةٍ أُخْرَى.
وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ سُدُسَ تَطْلِيقَةٍ أَوْ ثُلُثَ تَطْلِيقَةٍ أَوْ نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ أَوْ ثُلُثَيْ تَطْلِيقَةٍ فَهُوَ ثَلَاثٌ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ التَّطْلِيقَةِ تَطْلِيقَةٌ كَامِلَةٌ هَذَا إذَا كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا فَلَا تَقَعُ إلَّا وَاحِدَةٌ لِأَنَّهَا بَانَتْ بِالْأُولَى، كَمَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ سُدُسَ تَطْلِيقَةٍ وَثُلُثَهَا وَنِصْفَهَا بَعْدَ أَنْ لَا يَتَجَاوَزَ الْعَدَدُ عَنْ وَاحِدَةٍ لَوْ جُمِعَ ذَلِكَ فَهُوَ تَطْلِيقَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَوْ تَجَاوَزَ بِأَنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ سُدُسَ تَطْلِيقَةٍ وَرُبْعَهَا وَثُلُثَهَا وَنِصْفَهَا؛ لَمْ يُذْكَرْ هَذَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ: يَقَعُ تَطْلِيقَتَانِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَقَعُ تَطْلِيقَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثَةَ أَنْصَافِ تَطْلِيقَتَيْنِ فَهِيَ ثَلَاثٌ لِأَنَّ نِصْفَ التَّطْلِيقَتَيْنِ تَطْلِيقَةٌ، فَثَلَاثَةُ أَنْصَافِ تَطْلِيقَتَيْنِ ثَلَاثَةُ أَمْثَالِ تَطْلِيقَةٍ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ وَلَوْ كَانَ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَقَالَ بَيْنَكُنَّ تَطْلِيقَةٌ طَلُقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ وَاحِدَةً لِأَنَّ الطَّلْقَةَ الْوَاحِدَةَ إذَا قُسِّمَتْ عَلَى أَرْبَعٍ أَصَابَ كُلَّ وَاحِدَةٍ رُبْعُهَا وَرُبْعُ تَطْلِيقَةٍ تَطْلِيقَةٌ كَامِلَةٌ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ بَيْنَكُنَّ تَطْلِيقَتَانِ أَوْ ثَلَاثٌ أَوْ أَرْبَعٌ لِأَنَّ التَّطْلِيقَتَيْنِ إذَا انْقَسَمَتَا بَيْنَ الْأَرْبَعِ يُصِيبُ كُلَّ وَاحِدَةٍ نِصْفُ تَطْلِيقَةٍ، وَنِصْفُ التَّطْلِيقَةِ تَطْلِيقَةٌ، فَإِنْ قِيلَ لِمَ لَا يُقَسِّمُ كُلَّ تَطْلِيقَةٍ بِحِيَالِهَا عَلَى الْأَرْبَعِ فَيَلْزَمُ تَطْلِيقَتَانِ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ مَا فَعَلَ هَكَذَا بَلْ جَعَلَ التَّطْلِيقَتَيْنِ جَمِيعًا بَيْنَ الْأَرْبَعِ لِأَنَّ الْجِنْسَ وَاحِدٌ لَا يَتَفَاوَتُ، وَالْقِسْمَةُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ الَّذِي لَا يَتَفَاوَتُ يَقَعُ عَلَى جُمْلَتِهِ وَإِنَّمَا يُقْسَمُ الْآحَادُ إذَا كَانَ الشَّيْءُ مُتَفَاوِتًا فَإِنْ نَوَى الزَّوْجُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ تَطْلِيقَةٍ عَلَى حِيَالِهَا بَيْنَهُنَّ يَكُونُ عَلَى مَا نَوَى وَيَقَعُ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ تَطْلِيقَتَانِ لِأَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ وَهُوَ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِيهِ لِأَنَّهُ شَدَّدَ عَلَى نَفْسِهِ فَيُصَدَّقُ وَلَوْ قَالَ: بَيْنَكُنَّ خَمْسُ تَطْلِيقَاتٍ فَكُلُّ وَاحِدَةٍ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ لِأَنَّ الْخَمْسَ إذَا قُسِّمَتْ عَلَى الْأَرْبَعِ أَصَابَ كُلَّ وَاحِدَةٍ تَطْلِيقَةٌ وَرُبْعُ تَطْلِيقَةٍ؛ وَرُبْعُ تَطْلِيقَةٍ تَطْلِيقَةٌ كَامِلَةٌ فَيَكُونُ تَطْلِيقَتَيْنِ وَعَلَى هَذَا مَا زَادَ عَلَى خَمْسَةٍ إلَى ثَمَانِيَةٍ.
فَإِنْ قَالَ بَيْنَكُنَّ تِسْعُ تَطْلِيقَاتٍ وَقَعَتْ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ لِأَنَّ التِّسْعَ إذَا قُسِّمَتْ عَلَى أَرْبَعٍ أَصَابَ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ تَطْلِيقَتَانِ وَرُبْعُ تَطْلِيقَةٍ، وَرُبْعُ تَطْلِيقَةٍ تَطْلِيقَةٌ كَامِلَةٌ فَيَقَعُ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ ثَلَاثَةٌ وَعَلَى هَذَا قَالُوا لَوْ قَالَ أَشْرَكْتُ بَيْنَكُنَّ فِي تَطْلِيقَتَيْنِ أَوْ فِي ثَلَاثٍ أَوْ أَرْبَعٍ أَوْ خَمْسٍ أَوْ سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ أَوْ ثَمَانٍ أَوْ تِسْعٍ إنَّ هَذَا وَقَوْلُهُ بَيْنَكُنَّ سَوَاءٌ لِأَنَّ لَفْظَةَ الْبَيْنِ تُنْبِي عَنْ الشَّرِكَةِ فَقَوْلُهُ بَيْنَكُنَّ كَذَا مَعْنَاهُ أَشْرَكْتُ بَيْنَكُنَّ كَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا طَلَّقَ امْرَأَةً لَهُ تَطْلِيقَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ لِأُخْرَى قَدْ أَشْرَكْتُكِ فِي طَلَاقِهَا أَنَّهُ يَقَعُ عَلَيْهَا تَطْلِيقَتَانِ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَشْرَكْتُك فِي طَلَاقِهَا إثْبَاتُ الشَّرِكَةِ فِي الْوَاقِعِ وَلَا تَثْبُتُ الشَّرِكَةُ فِي الْوَاقِعِ إلَّا بِثُبُوتِ الشَّرِكَةِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ رَفْعُ التَّطْلِيقَةِ الْوَاقِعَةِ عَنْهَا وَإِيقَاعُهَا عَلَى الْأُخْرَى فَلَزِمَتْ الشَّرِكَةُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ التَّطْلِيقَتَيْنِ عَلَى الِانْفِرَادِ وَهَذَا يُوجِبُ وُقُوعَ تَطْلِيقَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى وَسَوَاءٌ كَانَ مُبَاشَرَةُ الرُّكْنِ مِنْ الزَّوْجِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ عَنْهُ بِالْوَكَالَةِ وَالرِّسَالَةِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ مِمَّا تَجْرِي فِيهِ النِّيَابَةُ فَكَانَ فِعْلُ النَّائِبِ كَفِعْلِ الْمَنُوبِ عَنْهُ وَأَمَّا الَّذِي يَقُومُ مَقَامَ اللَّفْظِ فَالْكِتَابَةُ وَالْإِشَارَةُ عَلَى مَا نُذْكَرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

.فَصْلٌ: شَرَائِطُ الرُّكْنِ:

وَأَمَّا شَرَائِطُ الرُّكْنِ فَأَنْوَاعٌ بَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى الزَّوْجِ وَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى الْمَرْأَةِ وَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى نَفْسِ الرُّكْنِ وَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى الْوَقْتِ.

.أَمَّا الَّذِي يَرْجِعُ إلَى الزَّوْجِ:

فَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ عَاقِلًا حَقِيقَةً أَوْ تَقْدِيرًا فَلَا يَقَعُ طَلَاقُ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ لِأَنَّ الْعَقْلَ شَرْطُ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ لِأَنَّ بِهِ يَعْرِفُ كَوْنَ التَّصَرُّفِ مَصْلَحَةً وَهَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ مَا شُرِعَتْ إلَّا لِمَصَالِحِ الْعِبَادِ وَأَمَّا السَّكْرَانُ إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَإِنْ كَانَ سُكْرُهُ بِسَبَبٍ مَحْظُورٍ بِأَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ أَوْ النَّبِيذَ طَوْعًا حَتَّى سَكِرَ وَزَالَ عَقْلُهُ فَطَلَاقُهُ وَاقِعٌ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَعَامَّةِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَعَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ وَبِهِ أَخَذَ الطَّحَاوِيُّ وَالْكَرْخِيُّ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَجْهُ قَوْلِهِمْ: إنَّ عَقْلَهُ زَائِلٌ وَالْعَقْلُ مِنْ شَرَائِطِ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ لِمَا ذَكَرْنَا وَلِهَذَا لَا يَقَعُ طَلَاقُ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ وَاَلَّذِي زَالَ عَقْلُهُ بِالْبَنْجِ وَالدَّوَاءِ كَذَا هَذَا وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ رِدَّتُهُ فَلَأَنْ لَا يَصِحَّ طَلَاقُهُ أَوْلَى.
(وَلَنَا) عُمُومُ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} إلَى قَوْلِهِ- سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ السَّكْرَانِ وَغَيْرِهِ إلَّا مَنْ خُصَّ بِدَلِيلٍ.
وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «كُلُّ طَلَاقٍ جَائِزٌ إلَّا طَلَاقَ الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ» وَلِأَنَّ عَقْلَهُ زَالَ بِسَبَبٍ؛ هُوَ مَعْصِيَةٌ فَيُنَزَّلُ قَائِمًا عُقُوبَةً عَلَيْهِ وَزَجْرًا لَهُ عَنْ ارْتِكَابِ الْمَعْصِيَةِ وَلِهَذَا لَوْ قَذَفَ إنْسَانَا أَوْ قَتَلَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَالْقِصَاصُ وَأَنَّهُمَا لَا يَجِبَانِ عَلَى غَيْرِ الْعَاقِلِ دَلَّ أَنَّ عَقْلَهُ جُعِلَ قَائِمًا وَقَدْ يُعْطَى لِلزَّائِلِ حَقِيقَةَ حُكْمِ الْقَائِمِ تَقْدِيرًا إذَا زَالَ بِسَبَبٍ هُوَ مَعْصِيَةٌ لِلزَّجْرِ وَالرَّدْعِ كَمَنْ قَتَلَ مُوَرِّثَهُ أَنَّهُ يُحْرَمُ الْمِيرَاثَ وَيُجْعَلُ الْمُوَرِّثُ حَيًّا زَجْرًا لِلْقَاتِلِ وَعُقُوبَةً عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا زَالَ بِالْبَنْجِ وَالدَّوَاءِ لِأَنَّهُ مَا زَالَ بِسَبَبٍ هُوَ مَعْصِيَةٌ إلَّا أَنَّهُ لَا تَصِحُّ رِدَّةُ السَّكْرَانِ اسْتِحْسَانًا نَظَرًا لَهُ لِأَنَّ بَقَاءَ الْعَقْلِ تَقْدِيرًا بَعْدَ زَوَالِهِ حَقِيقَةٌ لِلزَّجْرِ وَإِنَّمَا تَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى الزَّاجِرِ فِيمَا يَغْلِبُ وُجُودُهُ لِوُجُودِ الدَّاعِي إلَيْهِ طَبْعًا، وَالرِّدَّةُ لَا يَغْلِبُ وُجُودُهَا لِانْعِدَامِ الدَّاعِي إلَيْهَا فَلَا حَاجَةَ إلَى اسْتِبْقَاءِ عَقْلِهِ فِيهَا لِلزَّجْرِ وَلِأَنَّ جِهَةَ زَوَالِ الْعَقْلِ حَقِيقَةً تَقْتَضِي بَقَاءَ الْإِسْلَامِ وَجِهَةَ بَقَائِهِ تَقْدِيرًا تَقْتَضِي زَوَالَ الْإِسْلَامِ فَيُرَجَّحُ جَانِبُ الْبَقَاءِ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ، وَلِهَذَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِ الْكَافِرِ إذَا أُكْرِهَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَلَا يُحْكَمُ بِكُفْرِ الْمُسْلِمِ إذَا أُكْرِهَ عَلَى إجْرَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ فَأَجْرَى وَأَخْبَرَ أَنَّ قَلْبَهُ كَانَ مُطْمَئِنًّا بِالْإِيمَانِ كَذَا هَذَا، وَإِنْ كَانَ سُكْرُهُ بِسَبَبٍ مُبَاحٍ لَكِنْ حَصَلَ لَهُ بِهِ لَذَّةٌ بِأَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ مُكْرَهًا حَتَّى سَكِرَ أَوْ شَرِبَهَا عِنْدَ ضَرُورَةِ الْعَطَشِ فَسَكِرَ قَالُوا: إنْ طَلَاقَهُ وَاقِعٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ وَإِنْ زَالَ عَقْلُهُ فَإِنَّمَا حَصَلَ زَوَالُ عَقْلِهِ بِلَذَّةٍ فَيُجْعَلُ قَائِمًا وَيُلْحَقُ الْإِكْرَاهُ وَالِاضْطِرَارُ بِالْعَدَمِ كَأَنَّهُ شَرِبَ طَائِعًا حَتَّى سَكِرَ وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِيمَنْ شَرِبَ النَّبِيذَ وَلَمْ يَزُلْ عَقْلُهُ وَلَكِنْ صُدِّعَ فَزَالَ عَقْلُهُ بِالصُّدَاعِ أَنَّهُ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ؛ لِأَنَّهُ مَا زَالَ عَقْلُهُ بِمَعْصِيَةٍ وَلَا بِلَذَّةٍ فَكَانَ زَائِلًا حَقِيقَةً وَتَقْدِيرًا وَكَذَلِكَ إذَا شَرِبَ الْبَنْجَ أَوْ الدَّوَاءَ الَّذِي يُسْكِرُ وَزَالَ عَقْلُهُ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ لِمَا قُلْنَا.
وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ مَعْتُوهًا وَلَا مَدْهُوشًا وَلَا مُبَرْسَمًا وَلَا مُغْمَيًا عَلَيْهِ وَلَا نَائِمًا فَلَا يَقَعُ طَلَاقُ هَؤُلَاءِ لِمَا قُلْنَا فِي الْمَجْنُونِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «كُلُّ طَلَاقٍ جَائِزٌ إلَّا طَلَاقَ الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ».
وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ بَالِغًا فَلَا يَقَعُ طَلَاقُ الصَّبِيِّ وَإِنْ كَانَ عَاقِلًا لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا عِنْدَ خُرُوجِ النِّكَاحِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَصْلَحَةً وَإِنَّمَا يُعْرَفُ ذَلِكَ بِالتَّأَمُّلِ وَالصَّبِيُّ لِاشْتِغَالِهِ بِاللَّهْوِ وَاللَّعِبِ لَا يَتَأَمَّلُ فَلَا يَعْرِفُ.
وَأَمَّا كَوْنُ الزَّوْجِ طَائِعًا فَلَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ شَرْطٌ حَتَّى يَقَعُ طَلَاقُ الْمُكْرَهِ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ لَا يَقَعُ وَنَذْكُرُ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ الْإِكْرَاهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ بِإِسْنَادِهِ «أَنَّ امْرَأَةً اعْتَقَلَتْ زَوْجَهَا وَجَلَسَتْ عَلَى صَدْرِهِ وَمَعَهَا شَفْرَةٌ فَوَضَعَتْهَا عَلَى حَلْقِهِ، وَقَالَتْ: لَتُطَلِّقَنِّي ثَلَاثًا أَوْ لَأُنْفِذَنَّهَا فَنَاشَدَهَا اللَّهَ أَنْ لَا تَفْعَلَ فَأَبَتْ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَا قَيْلُولَةَ فِي الطَّلَاقِ».
وَكَذَا كَوْنُهُ جَادًّا لَيْسَ بِشَرْطٍ فَيَقَعُ طَلَاقُ الْهَازِلِ بِالطَّلَاقِ وَاللَّاعِبِ لِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «ثَلَاثٌ جَدُّهُنَّ جَدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جَدٌّ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ، وَرُوِيَ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالرَّجْعَةُ» وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ لَعِبَ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ لَزِمَهُ».
وَقِيلَ فِيهِ نَزَلَ قَوْلُهُ- سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- {وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا} وَكَانَ الرَّجُلُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ ثُمَّ يُرَاجِعُ فَيَقُولُ كُنْت لَاعِبًا وَيُعْتِقُ عَبْدَهُ ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَقُولُ كُنْت لَاعِبًا فَنَزَلَتْ الْآيَةُ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ طَلَّقَ أَوْ حَرَّرَ أَوْ نَكَحَ فَقَالَ إنِّي كُنْت لَاعِبًا فَهُوَ جَائِزٌ مِنْهُ».
وَكَذَا التَّكَلُّمُ بِالطَّلَاقِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ بِالْكِتَابَةِ الْمُسْتَبِينَةِ وَبِالْإِشَارَةِ الْمَفْهُومَةِ مِنْ الْأَخْرَسِ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ الْمُسْتَبِينَةَ تَقُومُ مَقَامَ اللَّفْظِ وَالْإِشَارَةَ الْمَفْهُومَةَ تَقُومُ مَقَامَ الْعِبَارَةِ.
وَكَذَا الْخُلُوُّ عَنْ شَرْطِ الْخِيَارِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَيَقَعُ طَلَاقُ شَارِطِ الْخِيَارِ فِي بَابِ الطَّلَاقِ بِغَيْرِ عِوَضٍ لِأَنَّ شَرْطَ الْخِيَارِ لِلتَّمَكُّنِ مِنْ الْفَسْخِ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَاَلَّذِي مِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ وَهُوَ الطَّلَاقُ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا قَيْلُولَةَ فِي الطَّلَاقِ» وَأَمَّا الْخُلُوُّ عَنْ شَرْطِ الْخِيَارِ لِلْمَرْأَةِ فِي الطَّلَاقِ بِعِوَضٍ فَشَرْطٌ لِأَنَّ الَّذِي مِنْ جَانِبِهَا الْمَالُ فَكَانَ مِنْ جَانِبِهَا مُعَاوَضَةُ الْمَالِ وَأَنَّهَا مُحْتَمِلَةٌ لِلْفَسْخِ فَصَحَّ شَرْطُ الْخِيَارِ فِيهَا، فَيُمْنَعُ انْعِقَادُ السَّبَبِ كَالْبَيْعِ حَتَّى أَنَّهَا لَوْ رُدَّتْ بِحُكْمِ الْخِيَارِ بَطَلَ الْعَقْدُ وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ.
وَكَذَا صِحَّةُ الزَّوْجِ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَكَذَا إسْلَامُهُ فَيَقَعُ طَلَاقُ الْمَرِيضِ وَالْكَافِرِ لِأَنَّ الْمَرَضَ وَالْكُفْرَ لَا يُنَافِيَانِ أَهْلِيَّةَ الطَّلَاقِ وَكَذَا كَوْنُهُ عَامِدًا لَيْسَ بِشَرْطٍ حَتَّى يَقَعَ طَلَاقُ الْخَاطِئِ وَهُوَ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِغَيْرِ الطَّلَاقِ فَسَبَقَ لِسَانُهُ بِالطَّلَاقِ لِأَنَّ الْفَائِتَ بِالْخَطَأِ لَيْسَ إلَّا الْقَصْدُ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ كَالْهَازِلِ وَاللَّاعِبِ بِالطَّلَاقِ وَكَذَلِكَ الْعَتَاقُ لِمَا قُلْنَا فِي الطَّلَاقِ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّ فِي الْعَتَاقِ رِوَايَتَيْنِ فَإِنَّ هِشَامًا رَوَى عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ لِامْرَأَتِهِ اسْقِينِي مَاءً فَقَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ وَقَعَ وَلَوْ أَرَادَ ذَلِكَ فِي الْعَبْدِ فَقَالَ أَنْتَ حُرٌّ لَمْ يَقَعْ وَرَوَى بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ الْكَنَدِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُمَا يَتَسَاوَيَانِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِمَا ذَكَرْنَا (وَجْهُ) رِوَايَةِ هِشَامٍ أَنَّ مِلْكَ الْبُضْعِ ثَبَتَ بِسَبَبٍ يَتَسَاوَى فِيهِ الْقَصْدُ وَعَدَمُ الْقَصْدِ وَهُوَ النِّكَاحُ فَعَلَى ذَلِكَ زَوَالُهُ بِخِلَافِ مِلْكِ الْعَبْدِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ بِسَبَبٍ مُخْتَلِفٌ فِيهِ الْقَصْدُ وَعَدَمُ الْقَصْدِ وَهُوَ الْبَيْعُ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَكَذَلِكَ زَوَالُهُ وَهَذَا لَيْسَ بِسَدِيدٍ لِأَنَّهُ قَدْ يُشْرَطُ لِثُبُوتِ الْحُكْمِ مِنْ الشَّرَائِطِ مَا لَا يُشْرَطُ لِزَوَالِهِ، فَكَانَ الِاسْتِدْلَال بِالثُّبُوتِ عَلَى الزَّوَالِ اسْتِدْلَالًا فَاسِدًا.